زوجة الأستاذ أحمد.
منذ أن غيب الموت زوجة الحاج الشرقي قبل عقدين من الزمن لم يعد يفكر بالاقتران بزوجة أخرى، خاصة بعد فشل زيجتين متتاليتين له بعد رحيل زوجته وام ابنته الوحيدة (نعيمة ) التي تركتها امها في سن السادسة عشرة تقريبا .
كانت نعيمة نسخة طبق الأصل من ابيها ؛
كانت بيضاء فارعة الطول مثله ، عدوانية ، حادة الطبع وسليطة اللسان وكأنها نسخة مؤنثة من ابيها الحاج الشرقي مما جعلها لم تلتحق بقطار الزواج الذي التحقت به معظم من هن في سنها .
إنفرادها بأببها في بيت واحد ولمدة عشرين سنة جعل ألفة غريبة بينهما ؛
يسافران معا
يزوران الناس معا
تضحك بنفس نبرته ولأتفه الأسباب وكأنها خلقت لملىء فراغ روحه ووقته إذ لم يكن له أصدقاء بسبب عدوانيته الزائدة وحدة طبعه ومزاجه المتعكر على الدوام .
لم يتمنى قط أن يرى ابنته عروسا واما ، شأنه في ذلك شأن معظم الآباء، فارتباطه الغريب بها وحبه لنفسه جعلاه يتصدى لكل من سولت له نفسه أن يفكر فيها كأنثى ؛
صحبها معه لأداء مناسك العمرة بعد ان تخطت الثلاثين من عمرها وكأنه بذلك قد أتم لها كل احتياجاتها .
قبل بضعة أشهر حل مدرس كهل و وسيم من مدينة الخميسات لزيارة اخته التي تسكن بجوار الحاج الشرقي.
فتن الأستاذ أحمد بنعيمة بشكل غريب وكأنها الأنثى التي ظل يبحث عنها طوال كل تلك السنوات التي تسربت في غفلة منه .
صم آذنيه عن كل ماسمعه عنها وعن أبيها وارتباطهما الشديد ببعضهما مما دفع أحد الظرفاء يعلق موجها تعليقه الساخر للأستاذ احمد :
(إيلا بغيتيها خاصك تدي معها حتى الحاج الشرقي باها)
دخول الأستاذ أحمد على خط حياة الأب وابنته قلب كل الحسابات رأسا على عقب ؛ فنعيمة استيقظت بداخلها الأنثى النائمة وجعلتها تتنبه ان شفتاها لازالتا مكتنزتان وان انفها لازال دقيقا ومتناسقا مع عينيها السواسعتين وان صدرها لازال منتصبا في شموخ وكبرياء وووو…… اما الحاج الشرقي فلم يتخيل ان يعيش بعيدا عن ابنته نعيمة التي عاشت تسايره في كل أهواءه وتصدق بطولاته الوهمية التي لا تنتهي فقد كان يتنفس كذبا مما جعل المقربين منه يطلقون عليه (الشرقي الريح ).
حل بعد أيام قليلة الأستاذ أحمد صحبة صهره ليستقبلاهما الحاج في برود متعمد وكأنه يسد في وجههما كل منفذ للود مما جعلهما ينصرفان في إحراج متمنيان لو لم يقعا فيه .
غاب الأستاذ أحمد عن الحي كما غابت الألفة من بيت الحاج الشرقي ، فلم تعد ابنته نعيمة تبتسم في وجهه كنوع من الرضا وكنوع من تصديق ادعاءاته وبطولاته الوهمية التي لا تنتهي.
احس بتأنيب ضمير شديد لاول مرة وكأنه لم يكن يعلم ان ابنته أنثى ولجسدها حق ، ولغدها حق ووووو……
فكر ان يطرق باب بيت صهر الأستاذ أحمد عساه يرمم ما يمكن ترميمه لكنه لا يامن شر لسانه .
قرر في الاخير ان يتوجه لمدينة الخميسات حيث يدرس الأستاذ أحمد، خاصة أنه يعرف عز المعرفة موقع الثانوية التي يدرس بها .
استأذن ابنته في صباح اليوم الموالي للذهاب الى العاصمة الرباط من أجل تسوية بعض الأوراق التي تخص تقاعده .
اوقف سيارته المرسيدس عند باب الثانوية التي يدرس بها صهره المرتقب الأستاذ أحمد في تمام الساعة الثانية عشرة وثلاثين دقيقة .
أدهشه الا أحد بالثانوية ثم تذكر ان اليوم هو يوم عطلة بمناسبة أحد الأعياد الوطنية .
فجأة وقف خلفه رجل ضعيف البنية يبدو في منتصف الخمسينيات من عمره.
ساله الرجل الذي قدم نفسه على أنه بواب الثانوية إن كان بإمكانه أن يسدي للحاج اية خدمة ، الشيء الذي شجع هذا الأخير ان يطلب منه ان يدله على بيت الأستاذ أحمد.
لم يتردد الحارس بل فتح باب السيارة وجلس جنبا إلى جنب الحاج وبدأ يشير بسبابته إلى البيت الذي لم يكن يبعد عن الثانوية الا ببضعة أمتار.
ترجل الحارس ليطرق باب بيت يقع في أسفل عمارة تبدو وكأنها مزهوة بين البيوت المحادية لها بسبب طلاءها الحديث .
تصبب الحاج الشرقي عرقا وهو يدرك ان هاته الخطوة التي أقدم عليها ستحط من كرامته وكرامة ابنته ثم عض شفته السفلى وهو يردد همسا :
كان الأجدر ان ألبي رغبته في الاقتران بابنتي يوم جاء إلى بيتي قبل بضعة أشهر.
وهو يخاطب نفسه فتحت نافذة أسفل العمارة عن فتاة عشرينية شديدة البياض والجمال . تعرفت على الحارس . إجابته في حياء :
غادي يصلي ويخرج لعندكم .
ترجل الحاج الشرقي من سيارته وهو يسأله في دهشة عمن تكون هاته السيدة ؟ ليجيبه الحارس :
إنها زوجة الأستاذ أحمد التي ارتبط بها قبل أسبوعين تقريبا ؛
دخل الحاج الشرقي بكل ثقله سيارته وأدار المحرك بحركة عصبية وهو يومىء الحارس:
هاني راجع ، هاني راجع ….. ثم انطلق يسابق الريح نحو مدينته . فالاجدر به والأكرم له ألا يلتقي الأستاذ أحمد حتى لا يشمت به وحتى لا يضعه في مقارنة صامتة بين ابنته العانس وبين عروسه العشرينية الشديدة الجمال .