للدراما التاريخية عموما والدينية خصوصا مكانة لدى المشاهد العربي فهي تلمس وجدانه وعمقه الروحي وانتمائه للأمة، كما تلامس قضاياه “القومية”، إضافة الى أنها ترفع من وعيه وذائقته الفنية وتنتشله من رتابة وضعف مستوى المسلسلات المحلية التي تكرر نفسها ولا تراعي حرمة رمضان وأجوائه الروحية.
الى يومنا هذا ظلت الدراما التاريخية والدينية من اختصاص أصدقائنا “المشارقة” وهم مشكورينا على ذلك، لأنهم يجتهدون والمجتهد كما يقول الفقهاء، إذا أصاب له أجران وإذا أخطأ له أجر، وهم بذلك يسعون الى تسليط الضوء على تاريخ هذه الأمة التي تتكالب عليها الأمم وتحاول أن تجردها من تاريخها مع تشويه هذا التاريخ المليء بالصفحات المضيئة التي قدمت الشيء الكثير للإنسانية، كما يسعون أيضا إلى تقديم أعمال ذات قيمة فنية (في مجملها) خلافا للمسلسلات الاجتماعية التي في مجملها لا ترقى الى تطلعات المشاهد على جميع المستويات.
غير أن الرؤية “المشرقية” للتاريخ المغاربي بالخصوص وهي رؤية تنطلق من منطلق عقائدي (فالإسلام لا يفرق بين عربي وعجمي او غيره ولا بين ابيض واسود ماداما مسلمين) يغيب عنها خصوصيات المجتمعات المغاربية التي تعرف تعدد روافدها الثقافية خاصة المعطى الأمازيغي-الريفي-السوسي الذي لعب دورا كبيرا في الفتوحات الإسلامية و في تأسيس الدولة، قتأتي احيانا الرؤية مبتورة وتحمل بعض المغالطات التاريخية بل اللاستخفاف بالحقائق التاريخية للمجتمعات المغاربية كما هو الشأن لمسلسل “فتح الأندلس” للمخرج محمد سامي العنزي، الذي بالفعل سقط في مجموعة من الهفوات التاريخية والفنية. (خلافا لمسلسل صقر قريش سنة 2002، الذي استطاع انذاك أن يتعامل بموضوعية مع المعطى الامازيغي مثلا).
الملفت للنظر أن مهاجمة مسلسل “فتح الأندلس” وبالشكل الذي تابعه البعض منا مبالغ فيها، علما اننا لم نرى مثل هذا الهجوم والانتقادات اتجاه مسلسلات أجنبية قامت بتشويه المسلمين وتاريخهم وقدمت للمشاهد الأجنبي صورة عن المسلم، عربي كان أو أمازيغي، أقل ما يقال عنها سيئة. بل قوبلت بالصمت المطبق.
فمسلسل “فتح الأندلس” اذن يعتبر اجتهادا ومحاولة فنية للتعامل مع محطة من المحطات المشرقة للتاريخ الإسلامي: الأندلس، وهي محطة لا مثيل لها علميا وفكريا وأدبيا واجتماعيا ودينيا (تعايش المسلمين واليهود والنصارى)، بل إن إشعاعها الثقافي والحضاري طال العالم الغربي كله. ورغم الهفوات فقد حاول المخرج ان يبرز الدور الكبير الذي قام به القائد المسلم الأمازيغي الأصل في فتح الأندلس ويبرز تسامحه اتجاه الاخر، كما ان هذا العمل (الذي لاشك يحتاج الى مزيد من العصارة الفكرية والفنية) لا يخلو من قيمة فنية لا تتجلى طبعا في كل الحلقات ولكن يلمسها المشاهد بين الفينة والأخرى. (على الأقل استعمال اللغة العربية الفصحى التي لم نعد نراها ولا نسمعها على شاشاتنا الصغيرة يرفع من فكر المشاهد ومستواه اللغوي).
وفي الأخير سيظل إخواننا المشارقة يجتهدون في إطار الدراما التاريخية، وذلك في غياب أي مبادرات مغاربية (بصفة عامة) وفي غياب تشجيع مثل هذه الأعمال التي تستحوذ على أكبر نسبة مشاهدة.
ويبدو أننا لن نرى أعمالا تاريخية سواء من المغرب أو غيره، فهناك شبه إرادة ألا يتم التعاطي مع التاريخ المغاربي (عربي-أمازيغي) أو التاريخ العربي الإسلامي ككل، وكأن هناك خوف (لدى بعض الجهات الثقافية والاقتصادية) من تعزيز ذلك الانتماء الى الأمة او الى الوطن العربي وتاريخه وقضاياه المصيرية. أحيانا يطلق البعض مبرر التكلفة الباهظة للدراما التاريخية وهذا سبب واه مقارنة بما يخسر على أعمال مكلفة لكنها تافهة.