هل تنجح السعودية في الوساطة بين المغرب والجزائر؟

جورنال2410 أكتوبر 2025
جورنال24
أقلام وأراءالواجهة
أحمد نور الدين

على هامش استقبال العاهل المغربي لوزير الدولة السعودي الأمير تركي آل سعود، موفدا من قبل العاهل السعودي وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وتزامن ذلك مع استقبال الرئيس الجزائري للسفير السعودي الذي سلمه رسالة من القيادة السعودية، تناقلت العديد من المنابر الاعلامية العربية حديثا عن وساطة سعودية جديدة لتنقية الأجواء بين البلدين الجارين المغرب والجزائر.
باستقراء اثنين وستين سنة من الأحداث والصراع بين البلدين، والتي شهدت عشرات المبادرات الدولية للوساطة بين الجارين اللدودين، ومنها ما لا يقل عن خمس مبادرات سعودية منذ عهد الملك الراحل فهد ابن عبد العزيز على الأقل إلى اليوم، يمكن الجزم دون تردد بأن مصير أي مبادرة عربية أو دولية هو الفشل في المصالحة بين المغرب والجزائر، لسبب واضح وبسيط وهو أن الجزائر ترفض بشكل رسمي وقاطع أي وساطة مع المغرب وقد عبرت عن ذلك في تصريحات رؤسائها وجنرالاتها وبيانات رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية ومندوبها في الجامعة العربية مرات عدة وفي مناسبات مختلفة.

واذا رجعنا الى العشرية الأخيرة لوحدها، سنجد ان الجزائر افشلت ورفضت دون مبرر مبادرة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي سنة 2012، ومبادرة الرئيس التركي اردوغان سنة 2013 وكان وقتئذ رئيسا للوزراء، ومبادرة الجامعة العربية سنة 2022، ومبادرة سعودية قبل القمة العربية في الجزائر سنة 2022، بالاضافة الى مبادرات الامارات العريية، بل وحتى الإسبانية والفرنسية والإفريقية مثل مبادرة نيجيريا، وأخيرا المبادرة الأمريكية التي قام بها مسعد بولس، المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترامب، وفي كل مرة كانت الوساطة تصطدم بجدار الرفض الجزائري، في مقابل الترحيب المغربي. ولفهم هذا الرفض الجزائري هناك ثلاثة عوامل أساسية على الأقل.

العامل الأول: مرتبط بعقيدة الدولة الجزائرية منذ استقلالها والتي تقوم على العداء للمغرب، على خلفية قطع الطريق أمام مطالب المغرب بمراجعة الحدود واسترجاع الأراضي التي اقتطعتها فرنسا الاستعمارية وخاصة منها الصحراء الشرقية. وهو ما دفع بالجزائر الى اشعال حرب الرمال، رغم أنها تدعي العكس كعادتها، لتتخذ منها ذريعة للتنصل من التزام الحكومة الجزائرية المؤقتة سنة 1961، وفي نفس الوقت توحيد الجبهة الداخلية الجزائرية التي كانت تشهد حربا بين جيش التحرير الداخلي وما يسمى بجيش الحدود الذي قاده بومدين للانقلاب على القيادة التاريخية الحقيقية للثورة الجزائرية، ويمكن الرجوع الى تصريحات وكتابات الزعماء الجزائريين الحسين آيت احمد ومحمد خيدر وفرحات عباس، وغيرهم. وبالتالي فالمصالحة مع المغرب بالنسبة للنظام الجزائري تعني انهيار عقيدة الدولة وبالتالي ستشكل نهاية النظام العسكري وقيام نظام بديل عنه.

العامل الثاني: وهو مرتبط عضويا بالأول هوحاجة النظام العسكري الجزائري إلى عدو خارجي لإلهاء الراي العام وشغله عن المطالبة بالإصلاحات السياسية، وأيضا لتبرير النفقات العسكرية التي ستصل في ميزانية 2026 حوالي 25 مليار دولار كما تم الإعلان عنه خلا شهر اكتوبر الجاري، وهي ميزانية حرب كما تلاحظون وليست ميزانية بلد يريد المصالحة والسلام. ومعروف أن جزءا من ميزانية الجيش تذهب إلى حسابات الجنرالات في سويسرا وفرنسا واسبانيا وغيرها من البلدان التي يلجأ إليها الجنرالات بعد فرارهم او تقاعدهم، واليوم مثلا رئيس جهاز المخابرات الداخلية السابق الجنرال عبد القادر حداد، المعروف بالجنرال ناصر الجن، هرب مع عائلته ليستمتع بثروته في اسبانيا، ونفس الشيء قام به الجنرال غالي بلقصير قائد الدرك الجزائري سابقا، وكذلك الجنرال خالد نزار قائد الجيش الجزائري الأسبق قبل ان يعود ثانية الى الجزائر بعد اغتيال الحنرال قايد صالح، وغيرهم كثير.

اما العامل الثالث: فيتمثل في تخوّف القيادة الجزائرية من حشرها في الزاوية الضيقة من طرف الوسيط الدولي، أيا كان هذا الوسيط سعوديا أو دوليا، فمن الأبجديات الدبلوماسية في المساعي الحميدة بين طرفين متنازعين أن يطلب الوسيط وقف الأعمال والتصريحات العدائية كخطوة أولى لبناء الثقة وإبداء النوايا الحسنة قبل الشروع في المفاوضات أو الوساطة.
والجزائر تعلم أنّ الوسيط سيطلب من بين ما سيطلبه وقف الحملات الدبلوماسية الجزائرية المعادية للمغرب، ومنع أي عمل مسلح للإنفصاليين ينطلق من أراضيها ضد المغرب، وتجميد دعمها لمليشيات “البوليساريو” الإنفصالية، ووقف تزويد الميليشيات الإنفصالية بالسلاح، والإمتناع عن تدريب عناصرها في الأكاديميات العسكرية الجزائرية، وسيطلب من الجزائر وقف بث إذاعة الإنفصاليين وتلفزيونهم من الجزائر، وربما طلب منها أيضاً التجاوب مع اليد الممدودة من ملك المغرب في خمسة خطابات رسمية لإنشاء آلية للحوار.

لكل هذه الإعتبارات البديهية والمنطقية وغيرها كثير ستظل القيادة الجزائرية ترفض أي وساطة دولية أو مبادرة سعودية او عربية للمصالحة مع المغرب، لأن الوساطة وبكل بساطة ستسقط عنها القناع وستكشف نواياها السيئة وستظهر للعالم حقيقة سياستها العدوانية تجاه المملكة المغربية طيلة نصف قرن من الزمن.

وحتى لو لم يكن ملف الصحراء موجودا فالجزائر كانت ستخلق ملفا آخر لإدامة الصراع مع المغرب، وخير دليل على ذلك افتتاح مكتب سمته “سفارة جمهورية الريف” بالجزائر، واستقدمت بعض المهربين والغوغائيين من هولندا لشغل “السفارة” وقدمت لهم اموال البترودولار للتحرك ضد المغرب في اوربا والعالم، ونظمت لهم ندوات دولية في الجزائر وفي اوربا. فهل يمكن أن نتحدث عن وساطة وتفاهم مع نظام مثل هذا؟!
سنكون فعلا مغفلين وسذجا نحن المغاربة شعبا ودولة اذا وافقنا على اي وساطة مع الجزائر لا يكون فيه شرط توقيفي مسبق هو الاعتراف بمغربية الصحراء، قبل الخوض في اي مفاوضات للمصالحة وتعويض الضحايا واسترجاع الحقوق العينية للمطرودين سنة 1975 والاراضي  المغتصبة وآخرها واحة العرجة بفكيك.. فقد سبق أن جربنا المصالحة دون تصفية الملفات العالقة وفي كل مرة ما كانت تسلم الجرة.

ومن الغباء أن نعيد نفس الاخطاء مرارا وننتظر نتائج مغايرة كما يقول عبقري القرن العشرين ألبرت آينشتاين..

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News