يُخطئ من يظن أن أزمتنا اليوم هي أزمة اقتصاد أو ندرة في الثروات، فالثروات موجودة، والفرص كثيرة، لكن ما نفتقده حقاً هو الضمير الحيّ والأخلاق التي تُنظّم العلاقة بين الإنسان والمجتمع. صدق من قال: “أزمتنا أزمة أخلاق وضمير، لا أزمة اقتصاد وندرة الثروة.” فحين يغيب الوازع الأخلاقي، تُصاب التنمية بالشلل، وتتحول الثروات إلى وسيلة للفساد بدل أن تكون رافعة للتقدم.
لقد أصبحنا نعيش زمناً تتراجع فيه القيم أمام مغريات المادة والمصلحة الشخصية. فكم من مسؤول استغل منصبه لتحقيق مكاسب ضيقة، وكم من مواطن فقد حسّ الانتماء والضمير في عمله، وكم من سلوك يومي بسيط يعكس غياب تلك الأخلاق التي كانت يوماً أساس العلاقات الإنسانية في مجتمعاتنا.
إنّ ما نحتاجه اليوم ليس فقط مشاريع اقتصادية أو خطط تنموية، بل ثورة ثقافية شاملة تعيد للاخلاق مكانتها، وللضمير سلطته. فبدونها لن تنجح أي إصلاحات مهما كانت طموحة.
الثورة المطلوبة تبدأ من المدرسة والأسرة والإعلام، من تربية جيل يؤمن بأن الأخلاق ليست شعاراً بل سلوكاً يومياً، وأن حب الوطن لا يُقاس بالكلمات بل بالعمل النزيه والإخلاص في أداء الواجب.
قد نختلف في السياسة والاقتصاد، لكننا نتفق جميعاً أن الأخلاق هي الأساس. فإذا صلح الضمير صلح كل شيء، وإذا فسد، فسدت معه كل محاولات الإصلاح. لذلك، فإنّ الحديث عن التنمية لا معنى له دون إعادة الاعتبار للقيم التي تبني الإنسان قبل أن تبني الحجر.