الكارح أبو سالم يكتب.. هذا ما كان ف الكان : عندما تتعثر حملات التشويش الحلقة – 29/05

جورنال2425 ديسمبر 2025
جورنال24
أقلام وأراءالواجهة
الكارح أبو سلم

مع انطلاق منافسات كأس إفريقيا للأمم، وجد المغرب نفسه أمام اختبار مركّب، لا يقتصر على إنجاح تظاهرة رياضية قارية كبرى فحسب ، بل يمتد ليشمل تدبير صورة تنظيمية وإعلامية في سياق إقليمي مشحون بخطابات متباينة، تراوح بين التقييم المهني القائم على المعطى، ومحاولات التشويش التي فقدت، مع أولى أيام البطولة، قدرتها على الإقناع.

ففي الميدان، بدت الصورة واضحة لا تحتمل التأويل: تنظيم محكم، جاهزية عالية، وسير طبيعي للمنافسات دون اختلالات تُذكر. وهو واقع سرعان ما كشف محدودية الروايات التي حاولت بعض الأبواق المرتبطة بالطغمة الحاكمة في الجزائر ترويجها، في مسعى مكشوف للنيل من صورة بلد اختار منذ البداية أن يُدير الحدث بهدوء، وثقة، ومنطق مؤسساتي.

إمكانيات تنظيمية غير مسبوقة قارّيًا

على المستوى التنظيمي، وضعت المملكة رهن إشارة المنتخبات المشاركة إمكانيات وُصفت من قبل متابعين بأنها غير مسبوقة في تاريخ كأس إفريقيا. فقد خُصصت لكل منتخب إقامات مستقلة من فئة خمس نجوم، مع مراكز تدريب خاصة وملاعب تمارين مجهزة وفق معايير دولية دقيقة، بما يضمن راحة الفرق وتكافؤ شروط الإعداد.
ولم تبق هذه الوعود حبيسة دفاتر التنظيم، بل انعكست عمليًا على سير المنافسات، حيث جرت الجولات الأولى دون تسجيل أعطاب لوجستية أو تقنية مؤثرة، في مشهد يختلف جذريًا عما عرفته نسخ سابقة من البطولة في دول إفريقية أخرى، حيث شكا اللاعبون والأطر التقنية، في أكثر من مناسبة، من الإقامة، التنقل، أو أرضيات الملاعب.

الملاعب في اختبار المطر… والجاهزية تحسم

واحدة من أكثر النقاط دلالة على مستوى الاستعداد، تمثلت في جاهزية الملاعب، خاصة في ظل التساقطات المطرية التي عرفتها بعض المدن المستضيفة. ورغم هذه الظروف المناخية، أُنجزت المباريات في مواعيدها، وبأرضيات لعب حافظت على جودة تقنية عالية، ما يعكس استثمارًا مسبقًا في البنيات التحتية، وحسن تدبير للتفاصيل التي غالبًا ما تصنع الفارق في التظاهرات الكبرى.

التشويش الإعلامي… حين تصطدم الرواية بالوقائع

في مقابل هذا الواقع الميداني، برزت محاولات إعلامية للتشويش، تنوعت بين تأويل قرارات تنظيمية خارج سياقها القانوني، وتضخيم وقائع معزولة وتقديمها كأزمات هيكلية. من أبرز هذه الحالات، قضية ترحيل صحافي جزائري بسبب خروقات مهنية لقوانين الاعتماد، وهي خطوة لا تخرج عن الأعراف المعمول بها في جميع التظاهرات الرياضية الدولية، لكنها قُدّمت في بعض المنابر كمساس بحرية الصحافة، في تجاهل تام للإطار القانوني المنظم للعمل الإعلامي.
كما جرى تداول محتوى مصوّر لإعلامي تونسي، مع التحفظ على صفة “إعلامي” بالنظر إلى غياب أبسط قواعد الموضوعية، حاول من خلاله الترويج لأخبار مغلوطة بدافع الإثارة و”البوز”، قبل أن تُكذبها الوقائع الميدانية التي أكدت استمرار البث واشتغال التجهيزات بشكل طبيعي.
في هذا السياق، جاء موقف الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم واضحًا وحازمًا، عبر اتخاذ إجراءات تأديبية شملت سحب الاعتماد الصحفي وترحيل المعني بالأمر، في رسالة صريحة مفادها أن “الكاف” لن تتسامح مع الأخبار الزائفة التي تمس بمصداقية المنافسة وصورتها.

احدث التجهيزات والمعدات للصحافة والإعلام متزامنة مع الجيل الخامس

الإعلام الدولي يشهد… والتنظيم يتجاوز القاري

بالموازاة مع ذلك، لعبت وسائل إعلام غربية دورًا لافتًا في إبراز الإمكانيات التي وفرها المغرب، من خلال روبورطاجات ميدانية ركزت على جودة البنيات التحتية، سلاسة التنقل، استقلالية الإقامات، وحسن تدبير الجوانب اللوجستية. تقارير اعتبرت أن ما وُضع رهن إشارة المنتخبات يتجاوز المعايير الإفريقية التقليدية، ويقترب بشكل واضح من شروط تنظيم تظاهرات عالمية، بما فيها كأس العالم.
هذا التقييم الخارجي يعزز فكرة أن تنظيم كأس إفريقيا بالمغرب لم يعد حدثًا قارّيًا بالمعنى الضيق، بل تجربة تنظيمية ذات أفق عالمي.

أين الإعلام الوطني من معركة الصورة؟

غير أن هذا الزخم الإيجابي يطرح، في المقابل، سؤالًا جوهريًا حول دور الإعلام الوطني. فهل يكفي نقل المباريات وتحليلها داخل الاستوديوهات؟ أم أن اللحظة تستدعي انخراطًا أوسع في معركة الصورة والانطباع الدولي؟
في مثل هذه المحطات، لا يكفي الرد على الافتراءات، بل يصبح من الضروري الانتقال إلى منطق المبادرة، عبر إنجاز روبورطاجات ميدانية موجهة للخارج، تسليط الضوء على التنظيم، البنيات، الشهادات الحية للمنتخبات والجماهير، واعتماد مقارنات موضوعية بين ما كان عليه “الكان” في نسخ سابقة، وما أصبح عليه اليوم في المغرب.
فالصورة، حين تُحسن صناعتها، تُغني عن الجدل، وتُسقط خطاب التضليل دون حاجة إلى سجال مباشر.

ختاما ،تنظيم كأس إفريقيا بالمغرب، وفق معطيات الأيام الأولى، يؤكد قدرة المملكة على تقديم نموذج قارّي بمعايير دولية، ويكشف في الآن ذاته هشاشة حملات التشويش أمام صلابة الوقائع. ويبقى الرهان الحقيقي هو مواصلة هذا النسق إلى نهاية البطولة، مع تعزيز تموقع إعلامي وطني ذكي، يجعل الإنجاز يتحدث عن نفسه، ويترك خطاب “البوز” معزولًا في هامشه الطبيعي

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News