صناعة السينما تُعتبر من أهم الصناعات الإبداعية التي يمكن أن تعتمد عليها الدول لتحريك عجلة الاقتصاد وتعزيز الثقافة والهوية الوطنية. فهي لا تقتصر فقط على الترفيه، بل تُساهم في تنشيط السياحة، وتعزيز صورة المدن، وتوفير فرص عمل للعديد من الأشخاص، بدءًا من الفنانين والمخرجين وصولًا إلى الفنيين والعاملين في المجالات اللوجستية. كما أن الأفلام يمكن أن تكون وسيلة قوية لنقل القصص الثقافية والتاريخية، وتعزيز الانتماء الوطني.
في حالة الفيلم المغربي “بنت الفقيه”، الذي عُرض اليوم على مسرح محمد الخامس بالرباط بحضور شخصيات مهمة مثل وزير الثقافة، نلاحظ أن المنتج اختار تصوير معظم مشاهد الفيلم في منطقة واحدة، وهي منطقة الولجة. هذا القرار يُعتبر مثيرًا للاهتمام، خاصةً عندما نتحدث عن فيلم ذي طابع ثقافي وتراثي. فعادةً ما تتطلب الأفلام ذات الطابع الثقافي التنقل بين عدة مواقع تصوير لتعكس التنوع الجغرافي والثقافي للمنطقة التي تدور فيها القصة.
من ناحية، يمكن أن يكون قرار المنتج بالتركيز على منطقة واحدة قرارًا فنيًا مقصودًا لتعميق الشعور بالأصالة والتركيز على تفاصيل المكان، مما يعطي الفيلم طابعًا واقعيًا وشخصيًا. ولكن من ناحية أخرى، يمكن أن يُعتبر هذا القرار فرصة ضائعة لتعريف الجمهور بمناطق أخرى في المغرب، وبالتالي تعزيز السياحة والاقتصاد المحلي في تلك المناطق.
المنتج في الصناعة السينمائية ليس مجرد ممول، بل هو شريك إبداعي يلعب دورًا محوريًا في تحديد شكل الفيلم وقيمته الفنية. فهو المسؤول عن توفير الموارد اللازمة لتحقيق رؤية المخرج، ولكنه أيضًا يتحمل مسؤولية تعظيم الفائدة الاقتصادية والثقافية للفيلم. في حالة “بنت الفقيه”، يمكن أن نعتبر أن المنتج قد ضحى بفرصة لتعزيز عدة مناطق مغربية من خلال التنويع في مواقع التصوير، رغم أن هذا القرار قد يكون قد خدم الرؤية الفنية للفيلم.
في النهاية، صناعة السينما هي عملية معقدة تتطلب توازنًا بين الجوانب الفنية والاقتصادية. وعلى المنتجين أن يكونوا على دراية بمدى تأثير قراراتهم ليس فقط على الفيلم نفسه، ولكن أيضًا على المجتمع والاقتصاد المحلي. فالأفلام ليست مجرد أعمال فنية، بل هي أيضًا أدوات قوية للتغيير الاجتماعي والاقتصادي.