
أثارت المعطيات التي كشفت عنها قناة 13 الإسرائيلية، ضمن الخطة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والتي تتعلق بموضوع تهجير سكان قطاع غزة، إلى عدد من المناطق والتي ذكر من بينها اسم المغرب، الكثير من ردود الفعل المستهجنة، والتي اعتبرت أن مجرد التفكير في تهجير شعب من أرضه بلطجة غير مسبوقة وتجاوز لكل الحدود الإنسانية والقانونية والأخلاقية.
وفي هذا السياق، أجرى جورنال 24 هذا الحوار مع المحلل السياسي، وعضو المجلس المغربي للشؤون الخارجية، أحمد نور الدين.
كيف تقرأ هذه المعطيات التي كشفت عنها القناة الإسرائيلية، وكيف ترى مسألة إقحام اسم المغرب في هذا السياق ؟
اسمح لي أن أصف تصريحاً من هذا القبيل بأنه جهلٌ بشيء اسمه سيادة الدول في العلاقات الدولية، وحينما يأتي من رجل دبلوماسي فإنه يعتبر قلة أدب وتجاوزاً للأعراف الدبلوماسية التي تفرض على القنصل العام أو أي مستشار دبلوماسي ألاّ يتدخل في شأن من شؤون دولة أخرى مهما صغر أو كبر هذا الشأن، فبالأحرى أن يزج باسم المغرب في “عملية ترحيل قسري جماعي” ليس لها من توصيف في القانون الدولي إلاّ أنها جريمة ضد الإنسانية كما ينص عليه نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية في مادته السابعة من بين مواد أخرى، ولا يمكن للمغرب أن يكون شريكاً في جريمة ضدّ الإنسانية في أي مكان في العالم.
هل هناك أي تغيير في الموقف المغربي من القضية الفلسطينية ومن حقوق الشعب الفلسطيني بعد قرار استئناف العلاقات مع إسرائيل ؟
موقف المغرب في الماضي والحاضر والمستقبل هو موقف الدعم الكامل لنضال الشعب الفلسطيني من أجل إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 يونيو 1967، وقد جاء هذا الموقف المغربي بناء على إرادة وخيار منظمة التحرير الفلسطينية، منذ توقيعها على اتفاق أوسلو عام 1993. وقبل ذلك التاريخ حين كانت المنظمة تتبنى الكفاح المسلح كان المغرب يدعمها دبلوماسياً ومادياً، وقد شارك المغرب بخمسة آلاف من القوات المسلحة الملكية بقيادة الجنرال عبد السلام الصفريوي في حرب أكتوبر من أجل تحرير فلسطين، وقد قدم الجيش المغربي مئات من الشهداء على الجبهتين السورية والمصرية دفاعاً عن مدينة القنيطرة وأثناء اقتحام خط برليف على قناة السويس في رمضان 1973.
وقد عبر المغرب بشكل رسمي على لسان العاهل المغربي وفي بيانات وزارة الخارجية وباسم لجنة القدس التي يرأسها ملك المغرب، أنه لا ولن يستغل القضية الفلسطينية لتحقيق أهداف سياسية في قضيته العادلة دفاعاً عن الصحراء المغربية، المغرب يضع القضية الفلسطينية على قدم المساواة مع القضية الوطنية بخصوص الصحراء، ولا مجال للمساومة أو التنازل عن أي منهما. هذه عقيدة الدولة المغربية والشعب المغربي على حدّ سواء.
ذكرت بعض الأوساط الإسرائيلية أن إدارة ترامب تريد استغلال قضية الصحراء للضغط على المغرب لتقديم تنازلات في الموضوع، كيف ترون هذا الأمر؟
في السياسة كل شيء وارد وممكن خاصة عندما يتعلق الأمر برئيس مثل السيد دونالد ترامب متقلب ولا يمكن التنبؤ بقراراته، فقد زعزع كلّ الثوابت والمفاهيم في العلاقات الدولية، ووجه مدفعيته للأصدقاء والخصوم على حد سواء، وأكبر مثال على ذلك هو مطالبته بضم جزيرة جرينلاند الدانماركية، بل وضمّ دولة بحجم كندا بالإضافة إلى قناة بناما.
لذلك لا يمكن أن نلغي فرضية الضغط على المغرب في قضية الصحراء وابتزاز المملكة في سيادتها ووحدة أراضيها.
طبعاً المغرب ليس حائطاً قصيراً ويملك عدة أوراق وعلى رأسها وحدة موقف الدول العربية، خاصة محور الاعتدال ممثلا في دول الخليج والمغرب والأردن ومصر، بالإضافة إلى ورقة رفض الاتحاد الأوربي والصين وروسيا وكل الدول الديمقراطية عبر العالم لجريمة الترحيل الجماعي والقسري للشعب الفلسطيني.
طبعا هناك غضب شعبي ورفض رسمي من هذه القضية، هل تعتقدون أن ذلك سيؤثر على العلاقات المغربية الأمريكية؟
المسألة لا تتعلق بالعلاقات مع الدولة العبرية، فهناك ست أو سبع دول لها علاقات معها، ولكن دعني أقولها لك بصراحة وبكل مسؤولية بالنسبة لابتزاز المغرب من طرف واشنطن أو تل أبيب فإنّ المشكلة تكمن في الجزائر وهي من يتحمل المسؤولية في ذلك بسبب تماديها في دعم الانفصال جنوب المغرب. والجزائر بسلوكها هذا تعطي الفرصة للضغط على المغرب وابتزازه في وحدة وسلامة أراضيه. وقد اطلعتم على تصريح الرئيس الجزائري مؤخراً لجريدة “لوبنيون” الفرنسية والذي عبر فيه عن استعداد الجزائر التطبيع مع إسرائيل.
لذلك وفي ظل هذه الأزمة الحالكة التي تمر منها القضية الفلسطينية، ومع ارتفاع أصوات مصر والأردن المعنيين مباشرة وقبل غيرهما بمشروع ترحيل الشعب الفلسطيني من قطاع غزة وربما جزء من الضفة إلى أراضيهما، أقولها وبكل مسؤولية فيما يخص تعرض المغرب للابتزاز الأمريكي، على الدول العربية في القمة المقبلة المزمع عقدها في مصر أواخر شهر فبراير، أن تصدر موقفاً واضحاً بدعوة الجزائر إلى الاعتراف بمغربية الصحراء، وطرد ميليشيات “البوليساريو” الانفصالية، وإذا لم تقبل ذلك فعلى القمة العربية أن تصدر قراراً يدين سياسة الجزائر تجاه المغرب، ويحملها تبعات وأوزار أي ابتزاز أو ضغوط أمريكية على المغرب في الملف الفلسطيني بسبب قضية الصحراء.
الأمن القومي العربي في حالة لا تحتمل مزيداً من الاستنزاف، وهو بحاجة إلى جبهة موحدة لمواجهة الضغوط الأمريكية سواء على المغرب أو مصر او الأردن، وعلى الجزائر أن تعي ذلك جيداً أو أن تدفع فاتورة أي اختراق للصف العربي وأمنه القومي في القضية الفلسطينية عموماً، وفي مسألة ترحيل سكان غزة خصوصاً.